اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 503
قد بذلوا غاية جهدهم في تنفيذ الاحكام الشرعية المنزلة على مقتضى زمان كل منهم فكملوا وارشدوا مقدار جهدهم وطاقتهم
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ واستعقبهم خَلْفٌ مخالف سوء بالسكون لا خلف جيد صدق بالحركة كلهم قد أَضاعُوا وأبطلوا الصَّلاةَ المقربة نحو الحق مع انها من أقوى اسباب الايمان وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ النفسانية المبعدة عنه سبحانه الجالبة لانواع العذاب والنكال وقد اباحوها لنفوسهم وأصروا على اباحتها فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ في النشأة الاخرى غَيًّا شرا وخسرانا عذابا ونيرانا يترتب على شهواتهم ولذاتهم الفانية
إِلَّا مَنْ تابَ ورجع عنها نادما ولم يرجع إليها أصلا وَآمَنَ وصدق حرمتها وَبعد التوبة والرجوع قد عَمِلَ عملا صالِحاً ليصلح ما أفسده بمتابعة الهوى فَأُولئِكَ التائبون الآئبون النادمون عن عموم ما صدر عنهم من متابعة الهوى باغواء الشيطان واغرائه يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مثل سائر المؤمنين المطيعين وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً اى لا ينقصون شيأ من درجات المؤمنين الغير العاصين ومثوباتهم، ان كانت توبتهم على وجه الإخلاص والندامة الكاملة بل لهم كسائر عباد الله
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي قد وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ تفضلا عليهم وجزاء لاعمالهم وايمانهم بِالْغَيْبِ وبلوح القضاء وحضرة العلم المحيط الإلهي يصلون إليها ويتمكنون فيها إِنَّهُ سبحانه من كمال عطفه ورحمته لعباده قد كانَ وَعْدُهُ إياهم مَأْتِيًّا حاصلا بلا ريب وتردد ومتى دخلوا في دار السلامة والسّلام
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وفضولا من الكلام إِلَّا قولا سَلاماً سلاما من كل جانب تحية وتكريما وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ الصوري والمعنوي معدا مهيئا فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا مستوعبا لجميع الأوقات إذ أكلها دائم
وبالجملة تِلْكَ الْجَنَّةُ الموصوفة الموعودة الَّتِي نُورِثُ نوطن ونمكن مِنْ عِبادِنا فيها مِنْ منهم كانَ تَقِيًّا متصفا بالتقوى محترزا عن الهوى مائلا نحو المولى
وَبعد ما قد ابطأ الوحى على رسول الله حين سئله المشركون عن قصة اصحاب الكهف وعن الروح وقصة ذي القرنين وقد وعد لهم الجواب صلّى الله عليه وسلّم ولم يستثن وانقطع الوحى خمسة عشر يوما وقيل أربعين عيروه واستهزؤا به حيث قالوا قد ودعه ربه وقلاه ثم لما نزل جبريل عليه السّلام واستبطأ صلّى الله عليه وسلّم نزوله قال جبريل عليه السّلام في جوابه نحن معاشر الملائكة وسدنة حضرة اللاهوت ما نَتَنَزَّلُ ونوحي الى احد إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وبانزاله وإرساله إذ لَهُ الحكم والتصرف في ما بَيْنَ أَيْدِينا اى عندنا وفي علتنا وَما خَلْفَنا وفي سرائرنا واستعداداتنا وعموم ما غاب عنا وخفى علينا وَكذا ما بَيْنَ ذلِكَ الطرفين المذكورين وبالجملة هو سبحانه مستوعب بنا محيط بعموم أحوالنا بلا فوت شيء وغيبته عنه بل الكل حاضر عنده غير غائب عنه مطلقا وَبالجملة ما كانَ رَبُّكَ يا أكمل الرسل نَسِيًّا تعالى شأنه عن ذلك حتى ينسب إبطاء الوحى الى نسيانه
وكيف يتصور منه سبحانه هذا إذ هو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما محيط بالكل شهيد عليه حاضر عنده بحيث لا يعزب عن حضرة علمه الحضوري شيء منها لمحة وإذا تحققت ما تلونا عليك يا أكمل الرسل وتأملت في معناه حق التأمل والتدبر فَاعْبُدْهُ راجيا منه العناية والتوفيق على العبادة وجزاء الخير وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ وتحمل متاعبها واثبت عليها ولا تعجل بوحي ما قصدت وأحببت نزوله ولا تقنط ايضا إذ الكل موكول اليه سبحانه مرهون بوقته موقوف على تعلق مشيئته سبحانه وبالجملة لا تعجل بالوحي
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 503